د. مكرم خوري - مخول -
نفوسنا... وكرم الحب
د. مكرم خوري - مخول
نفوسنا... وكرم الحب
د. مكرم خوري - مخول
نفوسنا وكرم الحب... مجلة "الحصاد" - لندن - بيروت...عدد يناير ٢٠١٤
يضغط اصبعنا زر المذياع ان كان جديدا او تداعب اصابعنا فيشته ان كنا من هواة اجهزة المذياع القديمة، فتندفع الطاقة منه لنلتحق ببث برنامج صباحي عبر الاثير يتخلله قرآة شعر من مذيع يجيد دور الرجل العاشق ومذيعة تقوم بدور الحبيبة التي تبادلة المشاعر ذاتها. هي تمثيلية تؤطر الواقع لتقلل من عفويته وتمنحه صخبا مهنيا عبر الرموز الكلامية يزيد من سلطة مملكة الحب .و
في الخلفية تتمواج ما بين صدر البيت وعجزه صعودا وخفوت الموسيقى الهادئة (اذا كان الانتاج سلساً) فتنبعث عبر الاثير ذبذبات الصوت التي تضخ جدلية كلمات غالبا ما تُستوعب في الذهن وتٌفسر بسرعة البرق كمعان لطيفة تعبر عن الاحاسيس الرقيقة خالقة حالة من الدفء في الجو تشحن المعنوات الى الاعالي وغالبا لا علاقة لها بدرجة الحراة داخل المنزل او المكتب او تحت قبة السماء او حالة الطقس وتبدل فصول الطبيعة.و
هذا المنتوج الاعلامي الذي يتركز على بث الامل او ما يسمى حديثا او احيانا بـ "الطاقة الايجابية" قد يؤدي الى تماهي بعض المستمعين مع معاني الشعر والقيم المنسوجة فيه، بينما يُعجب الاخرون بالتركيبة اللغوية والمفردات السلسة، او لا يعني هذا الشعر للبعض أي شيئ على الاطلاق . يستغرب بعضنا متسائلا: كيف يمكن الا يعني شعر الغزل اي شيئ لبعض الناس؟ هذ السؤال بالتحديد يَفترض ان يشعر كل الناس الشعور ذاته كل الاحيان وفي كل الحالات. وهذا شيئ مناقض اولا لحق الشخص في ان يشعر حيثما شاء وكيفما شاء ومتى شاء ولكن ايضاً ان يشعر كما فرضت عليه ظروف معينة نتيجة حالة تفاوضه معها أدت الى نتيجة خاصة لا تتبدل الا مع تغيير الشعور الداخلي المتعلق بظرف اجتماعي يجب ان يتغيير هو اولا. فلا يحق لنا ان نحكم على من يشعر وكيف يشعر عند استهلاكه او التقائه بنص شعري (عبر الاعلام) يتمحور في الحب. لان لهذه الحالة تشخيصا نفسيا يتعلق فيما يتعلق بحالات قد تكون لها علاقة بـ "الخسارة" - أي خسارة علاقات حب او "الحرمان" من الحب او عدم خوض التجربة خوفاً من الفشل (او العواقب التي يريد ان يدخل فيها شخص معين حفاظا على "استقراره' ولكي لا يتعرض جهازه العصبي لارتباكات اضافية...) او نتيجة حالة من الصدمة النفسية جراء نتيجة سلبية تركت اثرها وتلت علاقة حب (او صدمة اجتماعية لها علاقة بالعائلة او صداقة تركت اثرا) لحقتها عملية اسدال لستار بهدف الدفاع عن النفس ادى الى ان 'ينأي" الانسان عن الولوج في تلك الحالة مرة اخرى. فتعتبر خسارة "علاقة الحب" في علم النفس (وهذا يتعلق بكيفية انتهائها) بحالة من الحداد تستغرق وقتاً حتى التماثل الى الشفاء من تلك الحالة. كما ان مدة الحداد تتعلق بقوة الصدمة وبطرق العلاج النفسي-الاجتماعي والدعم الاجتماعي الذي يتلقاه الشخص بما في ذلك اساليب توعية التي تزيد من معرفة الانسان عن تلك الحالات وتعمق مفهوم عملية الصراع الداخلي والتغلب على الخوف وطرح سبل الحلول وايجاد فرص جديدة قد تعوضه عن الماضي.و
الكثير منا يفرق ما بين الحب والمحبة والغرام. وصحيح ان الحالات تختلف لاختلاف نوعية العلاقات الاجتماعية وكون بعضها اجتماعا عاما واخرى علاقات خاصة (اسرية كانت ام زوجية). الا ان مصدر هذا الشعور واحد رغم ان نسبته ونوعيته وممارسته تتفاوت. هي تلك القيم الاخلاقية التي تسعى الي نيل السعادة نتيجة حب الخير للغير وممارسته وتطبيق العطاء ومد يد الرحمة والحنان التضامني للغير والرغبة في المشاركة بالافراح والاتراح ليس لنيل هدف مادي بل من منطلق التعاضد، وبنسبة الشعور بالثقة بالنفس التي تستند على امكانية العيش بحالة من المتعة والتمتع باستمرار من علاقات حب (افلاطوني او غير اافلاطوني) تولد حالة من الاستقرار الننفسي والاجتماعي.و
يتزايد عدد الاقوال والآراء والمواقف من وعن الحب باشكاله والمحبة (للفرد او الجماعات) مع نمو ونضوج عقل كل فرد في المجتمع الانساني وتراكم تجاربه.و
فنحن نولد مع مخزون من الجينات ذات الصفات الوراثية. وتلك المولودة ترطتم بالواقع الذي يتفاعل فيه 'الأنا' مع كل شخص منا على حدى او كجماعة. كما ان هذه الصفات الوراثية تتضمن تركيبة كيماوية معينة إما ان تبقى مستقرة او ان تتأثر بعوامل اجتماعية يكون لها وقع نفسي ينعكس من خلال تصرفات اجتماعية جديدة بما في ذلك تبني مواقف تجاه الحب تكون مصحوبة بسلوكيات عدائية كلامية - خطابية او حتى تصرفات (نتيجة حالة اجتماعية او اقتصادية تقترب من كوننا في ازمة) تقترب من الانفعال والاضطراب او العنف الجسدي. فالغضب زوبعة تهب نتيجة لتغيرات في المركبات الكيماوية في الجسد والتي يطلقها المخ لكي يدافع عن نفسه... ولذلك فهي تطفئ سراج العقل للحظات او ايام او اسابيع او سنين او تتحول الى عادة\سلوك لا يتغير الا بتغيير الحالة الاجتماعية (مثلا من حالة عيش فراغ عاطفي الى حالة حب). فيأتينا الطب لكي يقترح سبل علاج عبر جلسات علاجية كلامية تنفيسية-نقدية بينما تأتينا فلسفات الشرق الاقصى لتسعفنا بتوصيات (اليوغا والتأمل) حول ترويض نفوسنا ابتداءً من الجلوس بلا ازعاج، فنيل الهدؤ والتأمل ومحاورة الذات المتصارعة حول قيّم معينة والقدوم بامكانيات لايجاد طريقة افضل لتفادي الصراع والامتثال لحلول جديدة خلاقة فيها الهدؤ الدي يبعث الخير والطمأنينة.و
الحب قيمة تتواجد في عقولنا وخلجات نفوسنا عن قناعة سبقتها تربية وترويض ادت الى تركيبة ذهنية-نفسية تتجلى بتصرفات يومية. وهذه القيمة يمكن ان تزداد او تتراجع وفقاَ للظروف والتجارب. فالقدرة على المحبة هي "معتقد" ان وجد فهو مبدأ من مجموعة نظم قيمية يكون قد تبلور وتمركز في النخاع الشوكي. احيانا يتركز البعض بتحولات نفسية تصف تحول حالة من الحب الى حالة من الكراهية تجاه شخص معين . لا يتزايد منسوب الكراهية على حساب منسوب الحب. ما يحصل هو ان منسوب الحب لشخص معين يتراجع او يتلاشي ويرتفع بالمقابل منسوب الكراهية نتيجة للشعور بالاحباط وخيبة الامل او الخسارة والحرمان. قد تتراجع قدره الانسان على الحب بعد تجربة قاسية الا ان هذا التراجع لا يعني بالضرورة فقدان قيمة الحب في ذهنيته بشكل قيمي. الحب يتعلق بالاستقرار الاجتماعي والمالي والعاطفي. والنزاعات غالبا ما تتماهى مع مسبباتها والصراع على هدف (تحقيق فكرة او شيئ او نيل شخص او كسب حبه او انتباهه). فاذا كان الهدف ماديا وراءه الجشع والطمع وليس التشاركية والطمأنينة فعندها لا فارق بين النزاع بين شخصين او خلاف عائلي او مع الجيران او الاصدقاء او بين الطوائف واتباع المذاهب او الشعوب والدول. فالجشع هو عدو الحب والمحبة وهو المؤدي الى الانحراف الفكري والسلوك الاجتماعي العدائي والعنيف احياناً والطمع واستغلال الاخرين هو ما يشعل النزاعات داخل المجتمعات والدول، تلك النزاعات التي اصبحت الاكثر شراسة والاعلى عددا الى ان ضاهت النزاعات بين الدول والتي هبطت مؤخراً. اذن مسألة الحب تتمركز في ما اذا كنا نؤمن اجتماعيا بالخير والمساواة للجميع... وبالتفاهم والاحترام للحبيب او الزوج ومنحه نفسنا في السراء والضراء فنفعل لغيرنا ما نريد لذاتنا في بقة تتسع للجميع لان الحب كرم اخلاقي يتجلى في المشاركة في الموارد. د