Monday, 17 August 2015



سورية وتفتيت العالم العربي

سورية وتمزيق الوطن العربي

بقلم: الباحث والكاتب و الإعلامي العربي الفلسطيني البروفيسور المغترب:

ﺩ. ﻣَﻜﺮَﻡْ ﺧُﻮﺭﻱْ – ﻣَﺨُّﻮﻝ

(ننشر هنا ولاول مرة الترجمة العربية للاطروحة التي نشرها الاكاديمي الفلسطيني البارز الدكتور مكرم خوري – مخْول في ٣ آب ٢٠١٢ في اللغة الانجليزية تحت عنوان : ‘سوريا وتفتيت العالم العربي’، وذلك بمناسبه مرور ثلاثة اعوام على كتابتها ونشرها بمختلف اللغات الاجنبية . وقد اصبحت هذه الوثيقة التاريخية مرجعا عالميا نظرا للرؤية السباقة التي احتوتها الاطروحة والتي تتمحور في ان ما يجري في العالم العربي ما هو الا مخطط لتفتيت العالم العربي بينما كان يُهلل الساسة والمفكرون العرب لما اطلقه الاستعماريون الجدد بـ ‘الربيع العربي’..
ولقد استندت هذه الاطروحة التي انفرد بها د. خوري – مخْول مبكرا وقبل اي مفكر، الى مقالة اخرى له بعنوان ‘الهزيع العربي’ كطرح صلب ضد ما سُُمي خدعة بـ ‘الربيع العربي’ وذلك في ايلول ٢٠١٢. وكان الطرحان الذين سبقا عاصفة الزمن المخدوع ( الذي تم فيه اختراع ‘الربيع العربي’ قد استندا الى تحليل برّاق وسباق (اعتبر مجازفة حينئذ وحتى ٢٠١٤) كان قد طرحه د. خوري – مخول في محاضرة في مجلس اللوردات البريطاني يوم ٣٠ آذار ٢٠١١ (اي بعد اسابيع وجيزة من بدايات الازمات في العالم العربي واسبوعين على الازمة في سوريا) رافضاً فيه اية تسمية ايجابية لما يجري في الوطن العربي كـ ‘الربيع’… واصفاً ما يجرى في العالم العربي بـ ‘الفوضى’… استنادا الى كتابيّ اب الفلسفة السياسية والعلوم السياسية البريطاني توماس هوبس ( ١٥٨٨-١٦٧٩):
” الليفيتان” أو “التنين” و ‘بيهيموث’ او ‘بهائم’. وقد ترجم الاطروحة بشكل تطوعي مشكورا القدير الدكتور بسام ابو غزالة .)
( سوريا وتمزيق الوطن العربي )
بقلم البروفيسور ( د . مكرم خوري- مخول )
( 3 آب 2012 )
بات تصرف الكتلة المتحالفة مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) ضد سوريا من الوضوح الصارخ بحيث يجعلنا نفهم ما يحدث في سورية بشكل أفضل. فمن ناحية، نجد أمامنا العاملين السياسيين، كالمجموعة المسماة “أصدقاء سورية” التي قامت لهذا الغرض، ومن ناحية أخرى، هناك شخصيتان عربيتان، كلاهما وزيران خليجيان.
أما المجموعة الأولى، فتضم رؤساء دول يقودها حلف شمال الأطلسي، بخطة إسرائيلية أساسية لا تكاد تخفى، يضعها أمثال برنار-هنري ليفي. وبدل أن يكون هؤلاء أصدقاءَ لسورية، فإنهم يعملون لتأمين مصالحهم المالية في سورية ومن حولها وعبرها. وأما السياسيان العربيان، فهما وزيرا خارجيتي السعودية وقطر، اللذان صرّحا بوجوب تسليح هذه القوى التي تلتزم العنف في العمل ضد الدولة السورية ودعمها ماليا.
باختصار، لعل مؤتمرات هؤلاء الذين يُسمَّون “أصدقاء سورية” ليست أكثر من صيغة “حديثة” لتلك الاجتماعات التي أدارها اللورد كيرْزُن، الذي خاطب، سنة 1903، “مشايخ الساحل العربي” من على سفينة صاحب الجلالة آرغونوت في الشارقة (الإمارات العربية المتحدة اليوم). يقدم القطريون والسعوديون الدعم المالي لـ”المتمردين” للحصول على السلاح، ولدفع المال للمقاتلين المرتزقة، ولأعمال الإمداد في العدوان على سورية. أضف إلى ذلك دعم هؤلاء بخدمات الاتصالات بعيدة المدى، وفن القتال، والإرشاد العسكري الاستراتيجي. وليس غريبا ألا يظهر في وسائل الإعلام المستشارون العسكريون الغربيون الذين يعملون لصالح المجموعات المسلحة من وراء ستار. كذلك تقدم الدول المجاورة المساعدة الجغرافية للمجموعات المسلحة، فيسهّل الأردن مرور المرتزقة القادمين من ليبيا، وتعمل تركيا كقاعدة عسكرية شمالية للعمليات.
يعود تورط تركيا إلى رغبتها في الاصطفاف مع الخط الذي تدعمه السعودية السنية وحلف شمال الأطلسي، وإلى خشيتها من أن تمزيق سورية سيؤدي إلى نهوض مسألة الحكم الذاتي الكردي. فهم يرون أن هذا سيؤدي أخيراً إلى اتحاد بين أكراد تركيا وأكراد كل من العراق وسوريا، مما سيثير حرباً أهلية مع تركيا وما يتبع ذلك في نهاية المطاف من انفصال كردستان عن تركيا وولادة دولة كردية.
أما إسرائيل، فإنها تخطط منذ عقود، كجزءٍ من إستراتيجيتها الهادفة إلى الهيمنة على المشرق والبحر المتوسط، لإضعاف سورية كي تستمر في احتلالها مرتفعات الجولان السورية وتسيطر على مصادر المياه فيها. ومن حيث الجوهر، تريد إسرائيل أن تكون القوة الرئيسية اقتصاديا وعسكريا في المنطقة، والحقيقة أن إسرائيل قد تخرج الفائزة الرئيسية من إضعاف سورية، ولو على المدى القريب.، بحملاتها الإعلامية المنسقة التي تبثها منذ عقود على جمهورها، اختلقت إسرائيل فكرة عن سورية مفادها أنها المهدِّدة الأساسية لوجودها في الوطن العربي. ومما يثير الجدل أن الفراغ في الحكم الذي قد يُختلق في سورية يمكن أن تملأه مجموعات على نمط القاعدة، مما يعطي إسرائيل مبررا كافيا للعمل (ضد سورية و/أو إيران) ويروّج أيضا لفكرة النزاع بين إسرائيل “المتحضرة الديمقراطية” والإسلاميين “المتوحشين”.
بالرغم من الفروقات الكبيرة بين سورية وليبيا، فقد يكون مصير سورية شبيها بمصير ليبيا من حيث التدخل الأجنبي، لولا أن روسيا والصين كلتيهما عارضتا هذا التدخل في الأمم المتحدة، حيث كان بينهما تعاون متناسق. وبالرغم من أن أصول العلاقات الصينية السوفييتية تعود إلى الأيام المبكرة من الثورة الشيوعية عام 1917، يبدو، حتى بعد تفكيك الكتلة الشرقية بعقدين من الزمن، أن الاتحاد الروسي وجمهورية الصين يتبعان، أكثر من أي وقت آخر، مقولة ماو تسي- تُنْغ في خطابه “كونوا ثورييين صادقين” في 23 حزيران 1950. فقد قال ماو تسي- تُنْغ إن “علينا في المجال الدولي أن نتحد بقوةٍ مع الاتحاد السوفييتي”.(راجع أعمال ماو تسي- تُنْغ المختارة، مج. 5، ص. 39). أما ما جعل روسيا والصين أقرب إلى بعضهما بعضاً حول الصراع على سورية، فيتمثل في العقيدة المشتركة، والنظرة إلى العالم، والمصالح الاقتصادية، والأهداف المتعلقة بحقل الطاقة. تُعدُّ السعودية أكبر منتجة للنفط في العالم، تليها روسيا، فالولايات المتحدة، فإيران فالصين.
وفيما يتعلق باحتياطيات النفط، نجد أن أكبر عشر دول هي: (1) فنزويلا، (2) السعودية، (3) كندا، (4) إيران، (5) العراق، (6) الكويت، (7) الإمارات، (8) روسيا، (9) كازخستان، (10) ليبيا.
كما أن روسيا هي أكبر منتج للغاز في العالم، وتعتمد أوروبا عليها كمصدر للغاز. في إنتاج الغاز العالمي، إذا استثنينا الولايات المتحدة وكندا لبعدهما الجغرافي، تقف إيران في المنزلة التالية لهما وتقف قطر في المنزلة الثالثة. وفيما يتعلق باحتياطيات الغاز، تقف روسيا في المنزلة الأولى، بينما تتبوأ إيران وقطر المنزلة الرابعة والسعودية المنزلة السادسة. وبالتجاور مع السعودية كأحد المنتجين العشرة الأوائل للغاز في العالم، يتضح لنا سبب الأهمية الخاصة لمصالح التصدير لدى قطر والسعودية. وينبغي لهذا الترتيب أن يعطينا فكرة واضحة عن التحالف الذي تشكَّل على ضوء النزاع السوري.
السعودية وقطر (اللتان، لولا الظروف المغايرة، لكان من الممكن أن تكونا دولة واحدة وقد تتعرضان لتعديل جغرافي) دولتان عربيتان مسلمتان سنيتان ولهما مصالح اقتصادية. ويفسر جشع قطر في تسويق عقود تزويد الغاز والنفط الليبيين اتفاقَها مع حلف الأطلسي على مهاجمة ليبيا، ومشاركتَها الرمزية في الضربات الجوية، ودعمَها للمتمردين في إقامة قدرة إعلامية.
تهدف قطر إلى تصدير غازها إلى أوروبا، لتنافس روسيا وتكسب لنفسها قدرة في المساومة السياسية. ولكي يكون تصدير الغاز القطري منافسا وذا جدوى اقتصادية، لا بد من تمرير خط أنابيب الغاز عبر سورية. ولما كان هناك تحالف سوري طويل المدى مع روسيا يعود إلى العهد السوفييتي، فمن غير المحتمل أن تسمح سورية بما يزعزع المصالح الروسية في آخر معاقلها الإستراتيجية في الوطن العربي. هذا هو السبب الرئيس في أن قطر والسعودية تدعمان كفاح المعارضة للإطاحة بالحكومة السورية.
ما أسرع ما تغدو سورية مصدر المفاجآت التي تصدر عنها جميع الأزمات التاريخية للسنوات المئة والعشرين الأخيرة. وتبدأ هذه بالحرب التركية الروسية سنتي 1877-8، والحرب الروسية اليابانية سنة 1904، والحربين العالميتين الأولى والثانية، والحرب الباردة. وفي العادة، يستغرق بروز قوة عظمى عقدين أو ثلاثة عقود من الزمن. وقد استغرقت الولايات المتحدة 25 سنة لتظهر كدولة عظمى – من 1890 إلى نهاية الحرب العالمية الأولى.
وبعد موت لينين سنة 1924، كان الاتحاد السوفييتي رجل أوروبا المريض. وفي العام 1945، بعد الحرب العالمية الثانية في عهد ستالين، ظهر الاتحاد السوفييتي كدولة عظمى. وبعد غورباتشيف، تراجعت روسيا كدولة عظمى، وبدا أن الحرب الباردة انتهت. وفي ما لا يتعدى عقدين من الزمن، أنهى بوتين نظام القطب الأوحد وبرز في العالم نظام ثنائي القطب جديد – وكأن الحرب الباردة لم تنته قط.
تكشف لنا النظرة المتفحصة للنظام السياسي السوري أن الرئيس بشار الأسد هو حقاً رجل إصلاح. بيد أن في سورية، كما في كل دولة أخرى، أجنحةً شتى تتشابك فيما بينها في صراع القوة، وهذه، مثلها مثل العمليات الاجتماعية الضرورية، يأخذ العمل في لجتها وقتاً. فبينما لا يستغرق الأمر سوى دقيقتين للتوقيع على قانون جديد، كما قال الأسد، فإن القيم الجديدة التي تأتي بها هذه القوانين تستغرق وقتا أطول بكثير لتثقيف الناس بتقبلها والمشاركة في تطبيقها. أما تصوير النخبة الحاكمة الغربية لهذه الأعراف كأنها تنمو على الشجر، فلا طائل تحته، بل إنه أمر غير أخلاقي.
كانت سورية آخر دولة عربية علمانية ومترابطة اجتماعيا تستند إلى عقيدة علمانية من الأعلى إلى الأسفل. وبالرغم من محيطها الجغراسي المتفجر (لبنان، تركيا، إسرائيل، الأردن، العراق)، فقد عاش المواطنون السوريون بأمان في ظل العلمانية العربية.
وتضم سورية بين جناحيها نوعا خاصاً من التعددية والتنوع الثقافي، مغروساً في التسامح الديني والحياة التعددية. ويتبدَّى هذا في وجود الكنيسة والمسجد معا، إلى جانب الحانة والتعايش ما بين النساء العلمانيات والمنقبات. والحقيقة أن عملية الإصلاح التي بدأت في سورية أكثرُ تقدما من أي عملية شبيهة في أي دولة عربية أخرى. ويشمل هذا الإصلاح التخلص من قوانين الطوارئ، وتطبيق قوانين الأحزاب، وقوانين الانتخاب، وقانونا رئيسيا للإعلام، والاتفاق على دستور جديد بما فيه شطب المادة المتعلقة بتفرد حزب البعث بالقيادة. وما هذه الإصلاحات إلا جزء من عملية سياسية حقيقية من شأنها أن تأخذ وقتا.
بيد أن عملية الإصلاح هذه قد تعرضت لتخريب تامٍّ ومتعمَّد من لدن بعض القوى، بما فيها حكومات غربية تعمل ضد الدولة السورية. في العقود الأخيرة، خاصة منذ 11 أيلول، ما فتئ الغرب ينشر فكرة تهديد الإرهابيين الإسلاميين للحياة العلمانية. غير أن السنة، الذين يشكلون الأغلبية الدينية في سورية، ويضمون قطاعات كبيرة، ليسوا أقل علمانية من أي مجتمع أوروبي آخر.
لذلك، بالرغم من حق السوريين الواضح في الدفاع عن علمانية طريقتهم في الحياة، فإن هدف الغرب هو تفكيك الدولة السورية، وتغيير هيكلية السلطة، وإنشاء كيانات بشرية- جغرافية كالاتحاد ما بين الأكراد السوريين والعراقيين، وهو ما يشكل اليوم كابوسا لتركيا. وقد تُفرغ من سكانها بعض المناطق، التي قد تستخدم، كما جرى للدروز، لإسكان المسيحيين السوريين فيها وربما لإسكان مسيحيي لبنان أيضا. أما المسيحيون الآخرون فسيغادرون المشرق كليا. وأما العلويون، فستكون لهم دولة أخرى قد ترتبط بإيران.
تقتضي الخطة تقويضَ الدولة العربية السورية التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى وفي أربعينات القرن العشرين، وإنشاءَ دول دينية جديدة، إن أمكن الأمر (شبيهةٍ بدولة إسرائيل اليهودية).
بهذه الطريقة، ستختفي السلطة العربية ومعها العقيدة القومية العربية التي نادى بها كل من ميشيل عفلق وأنطون سعادة (كلاهما عربي مسيحي) وجمال عبد الناصر. وقد بدأت هذه العملية سنة 1978-9 حين وقعت مصر، برئاسة السادات، معاهدة السلام مع إسرائيل، وتبع ذلك غزو لبنان عام 1982، والانتفاضة الأولى عام 1987، واحتلال العراق عام 2003. بعد ذلك حدث الأمر عينه في ليبيا بالاستيلاء على نفطها وغازها عام 2011.
لذلك يحتاج الغرب، للحفاظ على الهيمنة “الإسرأمريكية”، إلى تشكيل الدول تشكيلاً طائفيا (سنيا- شيعيا)، لا قوميا عربيا. والحقيقة أن هذه العملية قد تعززت باحتلال العراق والإطاحة بحزب البعث هناك.
ما يحدث الآن في الوطن العربي، عمليا، إنما هو “تصحيح” لاتفاقية سايكس- بيكو من العام 1916، حين قامت الدولتان الاستعماريتان الرئيسيتان، بريطانيا وفرنسا، بوضع حدود الدول العربية الحالية وبتعيين وكلائهما من العرب. وعلى هذا، تتضمن الخططُ الاستعمارية الجديدة توفيرَ فئتين أو أكثر تحاربان النظام الحاكم في سورية، وإدامةَ هذه الحرب حتى تتهاوى الدولة وتتفسخ إلى دولتين أو ثلاث تقوم على أساس طائفي. عندئذ، يتسنى للنخبة الاستعمارية أن تغرف الثروة لأن العقلية الإمبريالية، في نهاية المطاف، ما فتئت على حالها.
لما كانت القوى الغربية غير قادرة على تحقيق هذا الأمر وحدها، فإنها تحتاج إلى وكلاء مثل قطر في ليبيا، والسعودية وقطر وغيرهما في سورية. هؤلاء الوكلاء، ويُفضَّل أن يخدموا أنفسهم بأنفسهم، وأن يكونوا ملوكا عرباً، ومسلمين سنةً، وغير ديمقراطيين، سوف يستخدمون الإسلام السني للترويج للتطرف ضد الآخرين من عرب، ومسلمين وغير مسلمين (كالعرب المسيحيين، والشيعة والدروز). وهؤلاء العرب الذين لهم سبيل إلى النخبة العالمية (الاقتصادية) – كعلاقة آل سعود والقطريين بالأمريكيين والنخب الأوروبية الأخرى، على سبيل المثال – هم أو أتباعُهم النخب الحاكمة عموماً في الخليج العربي.
إنهم هم من يُشيعون الفتنة بين مختلف الطوائف، ويكبرون، ويستغلون اللعب بأوراق السنة مع تركيا المسلمة السنية غير العربية ضد سوريا. وليس مفاجئا أن يكونوا على علاقة وثيقة بالسلطات الغربية الخادمة لإسرائيل. وإلا، لكان من الصعب تفسير السبب في أن أكثر أنظمة الحكم استبدادا على وجه الأرض، أعني العربية السعودية، تقاتل سورية وتحاول أن تعطيها دروساً في الديمقراطية التي لم تكن السعودية يوماً حريصة جدا على معرفة الكثير عنها.
إن حملات الدعاية الاستشراقية السلبية التي أديرت ضد سورية في السنة المنصرمة بدعم مالي من بعض دول الخليج قد موّهت عمداً عناصر معينة في سورية، مثل علمانية سورية – وهو ما ستلاحظه المجتمعات الغربية بشكل طبيعي. لذلك أُخفيت أهمية عقيدة حزب البعث العلمانية أساسا، والتي تضمن الحريات الخاصة على الأقل. بالإضافة، على سبيل المثال، إلى حقيقة أن داوود راجحة، وزير الدفاع السوري الذي اغتيل، كان مسيحيا، وكان كذلك الدكتور نبيل زُغيب، رئيس برنامج الصواريخ السوري الذي اغتيل مؤخراً (مع أفراد أسرته).
تعود أمثلة تمويه الحقائق المتعمَّد الواردة أعلاه إلى تحالف سورية مع روسيا، التي هي المعسكر “الخاطئ”. وهذه العلاقة الحميمة بين سورية وروسيا مستمرة منذ نيِّفٍ وخمسة عقود. أضف إلى ذلك أن سورية بالنسبة إلى حلف شمال الأطلسي هي البطن الطري (العلمانية العلوية / الشيعية) بين روافض (شيعة) إيران وشيعة حزب الله في لبنان. وبينما تمثل إيران (وكذلك حزب الله، وسورية، وحماس سابقا) العقبة الرئيسية لهيمنة إسرائيل، تُستهدف سورية الآن، فتتلقى العقوبة لكي يتفتت أخيرا الجسد المجازي كله.
لكنْ، ما علاقة حماس في ما نقول؟ كانت حماس حركة مقاومة تدعمها طهران ودمشق وحزب الله إلى أن كسبت الانتخابات بشكل ديمقراطي عام 2006 (بعد زهاء سنتين من اغتيال ياسر عرفات)؛ وبعد ذلك بسنة، انقلبت على السلطة الفلسطينية التي تهيمن عليها فتح في قطاع غزة. فإن كانت إيران “رأسا” مجازيا، وكان حزب الله وحماس الساقين، تكن سورية “البطن” أو “القلب” و”الرئتين” لـ”جسم” المقاومة هذا. لكن، منذ تولت حماس إدارة قطاع غزة، توقفت كثيراً عن أن تكون حركة مقاومة وغدت ملزمة بالدستور.
هنا كسبت إسرائيل (وشارون خاصة) نصرا تكتيكيا. فقد انسحبت إسرائيل من قطاع غزة من غير أن تدفع ثمنا، إلى حدٍّ ما، بينما أبقت عليه محاصرا، فتهاجمه كلما رغبت، معطية المفاتيح للسجناء (حماس) كي يديروا لها أكبر سجن مفتوح على وجه الأرض. كلُّ هذا نُفِّذ من غير أن تدرك حماس حقيقة ما يجري. ولعل أحد الناس فكّر أن في المستطاع تجميل الاسم، فبدلا من تسميته سجناً، أمكن تسميته بـ”إمارة القلعة”.
في النصف الأول من عام 2012، غادر قادة حماس دمشق، حيث كان مقرهم الرئيسي، وهم الآن يلتزمون الصمت أمام الجمهور، وقد تخلَّوا عن دعم الحكومة السورية – الحكومة التي دعمتهم لعقدين ونيِّفٍ من الزمن.
وبانتصار الإخوان المسلمين في تونس ومصر، وبروزهم في ليبيا، أصبح لحماس رعاة أقوياء في بلدان تستطيع فيها أن تعمل انطلاقا من وضع أقوى. وقد دعا الرئيس المصري المنتخب قيادة حماس (في الشتات وقطاع غزة كليهما) إلى الانضمام إلى الإخوان المسلمين (منظمتهم الأم) على قدم المساواة.
وما كانت تبدو حتى الأمس على أنها حركة مقاومة (بالرغم من أن بعضهم قد يزعم أنها لم تكن ثورية قط مثل الفصائل الفلسطينية اليسارية الأخرى، أعني الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أو الجبهة الديمقراطية، أو غيرهما)، غدت الآن جزءاً من نسيج التحالف الإسلامي السني الذي أخذ يعمل تحت جناح حلف شمال الأطلسي.
يحب المستشرقون الغربيون أن يتخيلوا ما يجب أن يحدث لخدمة مصالحهم في المشرق. لذلك بدأوا بإطلاق اسم “الشرق الأوسط” على الوطن العربي، وكأنه محض علامة جغرافية وُضعت بالنسبة إلى موقعهم هم. ولكي يؤمِّنوا سرقتهم المخطط لها، يبتدعون مصطلحاتٍ الغايةُ منها تمويه وتبرير أعمالهم العسكرية، ما ظهر منها وما بطن. بيد أن خدماتهم الأمنية / الاستخبارية لم تفلح دائما في توقع التطورات في الوطن العربي، كانتفاضة 1978 وانقلاب حماس سنة 2007.
لكن نخبهم السلطوية السطحية الجاهلة لا تتوقف عن ابتداع أسماء وعمليات جديدة، آخرها تسمية ما بدأ في تونس بـ”الربيع العربي”.
ما يحدث في بعض الدول العربية وفي الوطن العربي ليس “ربيعا”: إنه عملية رجعية سوف ترتد، مثلما خبرت الأمر الولايات المتحدة في أفغانستان، حيث اختلقت “المجاهدين” ودعمتهم ثم قاتلوها هي نفسها.
وهكذا تحاول الولايات المتحدة / إسرائيل أن تعقد العقود مع الإسلاميين الذين أخذوا السلطة لعلهم يسيطرون على جماهير العامة. والحقيقة أنها ليست المرة الأولى التي يحاول فيها الإستراتيجيون السياسيون استخدام الدين ليتجنبوا الفوضى ويحموا مصالحهم الاقتصادية.
وهذا شبيه بما وصفه مِكْيافلِّي (استنادا إلى ما قاله المؤرخ الروماني تيتُس ليفيُس (ليفي) باتافينُس (95 ق.م.-17م)، الذي كتب كتبا منذ “تأسيس المدينة”) وأُشير إليه قي “مقالات حول ليفي”، حين أعطى أحد الفصول عنوانا ثانويا: “كيف جعل الرومان الدين يخدم إعادة تنظيم المدينة وقاموا بمشروعهم لإيقاف الاضطرابات”.
وهكذا تسعى حملات الدعاية الغربية ضد سورية إلى إقناع العامة (“الدهماء”) بأن تخاف الدين بدل أن تطيع قادتها العرب الحاليين. لهذا، بالرغم من الاحتجاجات المُراقَبة في الملكيات العربية الثلاث (السعودية والمغرب والأردن)، يكاد العالم لا يرى أي احتجاج ملموس، مقارنةً بالاحتجاجات في الجمهوريات العربية الأخرى، بسبب المراقبة، والحراسة، وغياب انتباه الإعلام الغربي. وأحد أسباب ذلك أنه يكاد لا يكون هناك إنسان واحد يتولَّى الترويج لأي حملة إعلامية خاصة ممولة جيدا وأن يدفع المبالغ الضخمة المطلوبة (ربما باستثناء البحرين، ونفوذ إيران المحتمل). بيد أنه ما من ضمانة لنجاح حملة مضادة للهيمنة في الملكيات العربية.
بعد الانتصار على آل الرشيد عام 1921، حكم آل سعود معظم شبه الجزيرة العربية التاريخية. ويعود تميزهم أيضاً إلى سيطرتهم على الأماكن المقدسة في مكة والمدينة، وإلى تحالفهم مع الوهابية واستخدامهم لها، وإلى الموارد النفطية والمعدنية. وهذه الموارد تموّل صنعتها الثقافية (إعلامها). مع هذا، من الواضح أن العوامل الدينية والاقتصادية معقدة، ومتشابكة، وتنطوي على شبكة اجتماعية كبيرة. ويمكن التعبير عن هذا التآلف بما أسميه “الأخلاق السعودية والقوة الروحية” – وهو شيء شبيه بمقولة وِيبر “أطروحة الأخلاق البروتستانتية” التي كانت وراء تراكم الثروة في شمال أوروبا.
من جراء تراكم الثروة في دول الخليج في سبعينات القرن العشرين (تلك التي سيطرت عليها الحماية البريطانية – الأمريكية بموجب معاهدات جلبت أعدادا كبيرة من العرب ليصبحوا إما تابعين اقتصاديا – من خلال عملهم في الخليج – أو تابعين نفسيا من خلال الهيمنة على الإعلام العربي)، خلق الازدهار الاقتصادي النفطي بنية اجتماعية جديدة في الوطن العربي؛ فأصبح، نتيجة لذلك، بعض المجتمعات العربية معتمدا على الأسرة الحاكمة السعودية وعشائرها ومتقبلا لها. وهذه النخب جزء من النخب الاقتصادية ممن يملكون بعضاً من أكثر مشاريع الطاقة قيمة، ومن الأصول والعقارات القيّمة في الغرب، مثل هارُدز، وفرق كرة القدم، والعقارات على شارع الشانزلزيه، والشراكات مع روبرت ميردُخ، وغير ذلك كثير.
إن الاكتشاف الجديد أن العرب يريدون حريتهم يُروِّج له بعض مؤسسات الإعلام العربية والغربية، التي هي امتداد لصناع السياسة الذين لهم غاياتهم الاقتصادية واستراتيجياتهم ومخططاتهم. وما هدف الحملات الإعلامية التي يديرها الصهاينة الرأسماليون من المحافظين الجدد مثل برنار-هنري ليفي، الذي يخدم إسرائيل بقوة وله ارتباط متين باليهودية الأصولية، إلا إقصاء العرب عن ثروتهم ومواردهم، بينما تخدعهم، في الوقت عينه.
يُنفَّذ هذا الأمرُ من خلال إستراتيجية ثنائية لصنع رواية منفصلة لقطاعين منفصلين من الناس. فبالنسبة إلى المتدينين، يُناط الفساد بالكفر، بينما تُباع للأمة العربية كلها أحلام التحرر، والعدل، والحرية الجذابة. وطبيعي أن ينطلق تأويل كل فرد من نشأته الخاصة، واجتماعيته، وتسيّسه، وأعرافه، وقيمه.
لهذا، بينما قد يجتمع الجميع في “المربع” ذاته، سنجد الإسلاميين يؤمنون بأن الإسلام هو الحل، والليبراليين يتذكرون جان جاك روسو، و”فصل السلطات” التي نادى بها مونتسكيو والثورة الفرنسية، والماركسيين يفكرون بالثورة البلشفية لسنة 1917 وصراع الطبقات، والماويين بثورة ماو تسي تنغ الثقافية أو بالناصرية (ففي نهاية المطاف، حين قامت ثلة من ضباط الجيش المصري بانقلاب وثورة عام 1952، كان ماو تسي تنغ أعلن أن “الكفاح ضد الفساد إنما هو قضية رئيسية تتعلق بالحزب كله” (30 تشرين الثاني 1951) وأنها، لذلك، تناسب قضية محاربة الأنظمة العربية الفاسدة).
في هذه الأثناء، سوف يهرول من يحلمون بكاسترو وتشي غيفارا إلى “المتاريس” في الساحات في وقفات احتجاج ضد قوى الدولة الأمنية.
حقيقة الأمر أنْ ليست هذه القيم محفزات للوطن العربي، واللبراليون الصهيونيون يعرفون ذلك. فالحقيقة أنه، بسبب الهيمنة الاجتماعية والطريقة التي تكونت بها المجتمعات العربية في القرن الماضي (بما في ذلك الإرث الاستعماري)، وبسبب الثروة التي تمتع بها الإسلام الوهابي (والسلفية الحديثة) من عائدات النفط، سوف تنجز الإيديولوجيات الأخرى، باستثناء الجناح الإسلامي، أقل تقدم إلى الأمام، وسوف تحظى الحركات الدينية بالفوز، ببساطة.
صحيح أن الوطن العربي غير متجانس، ولو قليلا، لكن الدين سائد حتى في دول مثل الأردن، حيث هيمن الإسلاميون لعقود على المناهج المدرسية. وهكذا، فإن في كل دولة عربية أصابها الاضطراب، خاصة في مصر، كفاحاً قويا على الدستور. فقد فاز الإخوان المسلمون والسلفيون بأغلبية المقاعد في الانتخابات البرلمانية، وكان أول رئيس منتخب ديمقراطيا، محمد مرسي (الذي انتخبه ربع المواطنين فقط)، عضوا في جماعة الإخوان المسلمين.
وتعمل القوى الرئيسية على إعلان دستور يستند إلى تأويل لقوانين الشريعة ذي علاقة بها. يرى أرسطو في منشوره، “هيكل الدولة”، أن ثمة حاجةً “للنظر ليس فقط في أي الدساتير أفضل، بل أيضاً في أيها عملي وأسهل بلوغا” (ص. 103). وهذا، في نظر الأصوليين المتدينين، متمثل في قوانين الشريعة، بينما هو الحل أيضاً للنخب الحاكمة الغربية.
ما داموا أمنوا مصالحهم الاقتصادية من خلال مؤسسات إعلامية تسيطر عليها النخبة الدينية، فسوف يستفيدون بدورهم من مراكز قوتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وسوف تظهر ثلة جديدة من رجال الأعمال من داخل دوائر/ طبقات النخب الدينية. والمجموعات الدينية سوف تزيد مشاركتها الاقتصادية إلى جانب المشاركة السياسية.
ولما كانت ستفيد جهادها السياسي، فسوف يراها بعضهم حلالا، أكانت ضمن الهيكل المصرفي الإسلامي أم خارجه. بيد أن الانقسام الاجتماعي سوف يبقى أو يتوسع، والفرق الوحيد أن الأسماء تغيرت. فبدلا من “مبارك”، سيكون هناك شخص آخر (لكنه ملتحٍ هذه المرة)، وهذه “التغيرات” الظاهرة سوف تديم الهيمنة السياسية بكل بساطة.
أما السكان المتأثرون بذلك، فهم الذين يسمَّون “أقلية” – وهم بشكل رئيسي المسيحيون العرب (هناك زهاء 30 مليوناً منهم في الوطن العربي)، والمسلمون العلمانيون (من سنة وشيعة)، وغيرهم. وفي مصر أعلن محمد الظواهري (أخو زعيم القاعدة أيمن الظواهري) أن على المسيحيين المصريين أن يدفعوا الجزية باعتبارهم أهل الذمة، أو أن يخرجوا من مصر. فإن رفضوا، وجب إجبارهم على ذلك، حسب رأيه.
من أمثلة تعبئة السكان بموجب الدين في الإعلام ما تبناه ملك السعودية نفسه. ففي رمضان عام 2012، أطلق الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده حملة جمع تبرعات يُفترض أن تكون للشعب السوري – أو هكذا قيل. وقد استندت الحملة إلى الأعراف الأخلاقية الإسلامية والشعور بالتضامن مع الجماعة، خاصة ما يُشدَّد عليه في شهر رمضان المبارك. وإذ باع شعبه رسائل التعاطف الاجتماعي هذه، كانت هذه الحملات تُستخدم لأغراض سياسية محلية وإقليمية. وهناك حملة شبيهة لا يتخيلها المرء أطلقتها سورية لتحرير المرأة السعودية وحاجتها لسياقة السيارات.
أما التحرريون من ذوي الياقات البيضاء الشبيهون بغوبلز، والذين يصطفون إلى جانب أمراء المشيخات، فقد حاولوا حتى الآن أن يخدعوا جانبا من الرأي العام العربي وأن يفبركوا إجماعا مضاداً للحكومة السورية، مُحرفين بذلك حماس شعبهم. وإذ يلتزمون هم أنفسهم بالأعراف والمعتقدات البالية حول الحرية والديمقراطية، ما فتئوا يُخادعون الناس ضد سورية فيما يتعلق بأعرافها الاجتماعية، كحرية المرأة، وحقوق الأقليات الدينية، والفرص المتساوية والحريات الشخصية، إلخ، التي هي أقرب كثيراً إلى الدول الغربية المتحررة.
وعلى السبيل نفسه الذي تسلكه الأنظمة العربية حين تحشد الرأي العام المحلي للتضامن مع الفلسطينيين، تستخدم الأنظمة الخليجية المقولة الكاذبة أنها ضد الظلم الذي تمارسه الحكومة السورية على شعبها كي تحشد عامة الناس عندها ضد سورية. وهذا بالرغم من حقيقة أنهم هم أنفسهم متخلفون عن سورية في مجال الحرية والديمقراطية بسنوات ضوئية.
ما كانت الحكومات الغربية قطُّ صديقةً للديمقراطية المتحررة في العالم الثالث. إنهم حتماً يتعاملون مع الحكومات صاحبة السجلات الأسوأ في مجال حقوق الإنسان، حين يكون الأمر ذا فائدة مالية لهم. فكما حدث في تموز 2008، حين أقام نيقولا ساركوزي وعدو سورية اللدود، أمير قطر، مع القيادة السورية “اتحاد المتوسط”، ظن بعض قادة الحكومات الأوروبية أنهم أيضاً قد يستفيدون ماليا من أزمة الوطن العربي. ويحدث هذا بشكل خاص حين يتلقون دعما من الدول الخليجية الغنية ويعتقدون أنهم قد يخففون قليلا من الأزمات الاقتصادية التي يواجهون.
في بعض أجزاء سورية، تراجع الأمن الشخصي منذ آذار 2011 ولم تكن الحكومة المركزية معروفة دائماً بتصرفها الأخلاقي. غير أن الإعلام، كجزء من الحملة السياسية الإستراتيجية، يتعمد الكذب حول الوضع في سورية. إنه يزرع الخوف في نفوس عامة السوريين ويثير قلقاً مبالغاً فيه حول المصابين والقتلى. وهكذا يصطنع رواية تيسر وتبرر زيادة الدعم للمجموعات المسلحة، والانفصاليين، والإرهابيين، والمرتزقة. وهذا الإعلام نفسه أيضاً يصور الحكومة السورية بأنها المسؤولة الوحيدة عن العنف، بينما الحقيقة أن المسؤولين الحقيقيين هم أولئك الذين يجندون الأفراد الطيعين، العاطلين، المتعطشين للمال، ويدفعون لهم ويمدونهم بالسلاح.
هناك مجرمان اثنان مسؤولان عن زيادة الضحايا: الكذب وتكميم الصوت المعارض. فبالاشتراك مع حلفائه العرب، أطفأ حلف شمال الأطلسي إشارة الاتصال الفضائي لقناة الدنيا السورية. وهناك أعمال “إرهاب” فضائية أخرى شملت اختطاف وكالة الاستخبارات المركزية لحساب قناة “الدنيا” على “تويتر”، بغية نشر الأخبار الملفقة عن ارتداد كاذب للجيش العربي السوري. إن القمر الصناعي العربي نفسه الذي ساعدت سورية في تأسيسه بعد فقدان الجزء الثاني من فلسطين عام 1967 يُستخدم الآن ضدها من قبل هذه المشيخات الخليجية العربية السابقة.
يُستخدم هذا القمر الصناعي الآن في النزاع في سورية – ولكن ضدها – فيبثّ معلومات ملفقة تُطلقها قنوات يملكها خليجيون تنشر الخوف والرعب حول عدم الاستقرار الاقتصادي في سوريا. ويُتلاعب بهذا الإعلام ليُستخدم غطاء لاستثارة الأعمال الإرهابية من قبل المعارضة السورية ولاستدرار المساعدة الاقتصادية، وهذا الإعلام ذاته يُقدم الإنجازات “البطولية” التي يُحققها “المتمردون” وعند الضرورة يصور خسائرهم على أنها “مجازر”.
على العموم، لم يتبق للغرب والإعلام العربي الرئيسي إلا خيار واحد تقريبا: ابتلاع المعطيات المزيفة من لدن مؤسسات فبركةٍ لا يُعتمد عليها، لتُضَخَّ بعد ذلك على الناس. فقصص المجازر التي تقوم بها الحكومة السورية تُذاع، لغايات الدعاية، كي تبرر التدخل الأجنبي، والصورة السائدة هي صورة الغرب النبيل الذي يأتي لينقذ هذا الشعب الضعيف المقموع في العالم الثالث من استبداد طاغية متعصب.
وهذا ما حدث في ليبيا تماما. مع هذا، فإن قلة من الإعلام العربي تعارض هذه الخطة الرئيسية، وقلة أخرى تقف على الحياد. إن الإعلام العربي في معظمه، أكان بشكل مباشر أو غير مباشر، في دول الخليج، بينما الصحفيون الآخرون إما يقبضون سراً من تلك القوى أو أنهم مضللون كليا ويجدون من المستحيل فهم التبعات المأساوية لما يحدث في الوطن العربي.
إن القيم المضادة للحرب، كما عبر عنها بيرتولت بْرِخْت في مسرحيته “الأم شَجاعة وأطفالها”، ليست في الأغلب الأعم على أجندة بعض الدول الغنية بالنفط، لأن هذه القيم قد تفضح الانقسام بين الدين واقتصاد الحرب.

Wednesday, 29 January 2014

نفوسنا وكرم الحب... مجلة "الحصاد" - لندن - بيروت...عدد يناير ٢٠١٤

د. مكرم خوري - مخول -
نفوسنا... وكرم الحب

د. مكرم خوري - مخول

نفوسنا وكرم الحب... مجلة "الحصاد" - لندن - بيروت...عدد يناير ٢٠١٤

يضغط اصبعنا زر المذياع ان كان جديدا او تداعب اصابعنا فيشته ان كنا من هواة  اجهزة المذياع القديمة، فتندفع الطاقة منه لنلتحق ببث  برنامج صباحي عبر الاثير يتخلله قرآة شعر من مذيع يجيد دور الرجل العاشق ومذيعة تقوم بدور الحبيبة التي تبادلة المشاعر ذاتها. هي تمثيلية تؤطر الواقع لتقلل من عفويته وتمنحه صخبا مهنيا عبر الرموز الكلامية يزيد من سلطة مملكة الحب .و

 في الخلفية تتمواج ما بين صدر البيت وعجزه صعودا  وخفوت الموسيقى الهادئة (اذا كان الانتاج سلساً)  فتنبعث عبر الاثير ذبذبات الصوت التي تضخ جدلية كلمات غالبا ما تُستوعب في الذهن وتٌفسر بسرعة البرق كمعان لطيفة تعبر عن الاحاسيس الرقيقة خالقة حالة من الدفء  في الجو  تشحن المعنوات الى الاعالي وغالبا لا علاقة لها بدرجة الحراة داخل المنزل او المكتب او تحت قبة السماء او حالة الطقس وتبدل فصول الطبيعة.و

هذا المنتوج الاعلامي الذي يتركز على بث الامل او ما يسمى حديثا او احيانا بـ "الطاقة الايجابية" قد  يؤدي الى تماهي بعض المستمعين مع معاني الشعر والقيم المنسوجة فيه، بينما يُعجب الاخرون بالتركيبة اللغوية والمفردات السلسة، او لا يعني هذا الشعر للبعض أي شيئ على الاطلاق . يستغرب بعضنا متسائلا: كيف يمكن الا يعني شعر الغزل اي شيئ لبعض الناس؟ هذ السؤال بالتحديد يَفترض ان يشعر كل الناس الشعور ذاته كل الاحيان وفي كل الحالات. وهذا شيئ مناقض اولا لحق الشخص في ان يشعر حيثما شاء وكيفما شاء ومتى شاء ولكن ايضاً ان يشعر كما فرضت عليه ظروف معينة نتيجة حالة تفاوضه معها أدت الى نتيجة خاصة لا تتبدل الا مع تغيير الشعور الداخلي المتعلق  بظرف اجتماعي يجب ان يتغيير هو اولا.  فلا يحق لنا ان نحكم على من يشعر وكيف يشعر عند استهلاكه او التقائه بنص شعري (عبر الاعلام)  يتمحور في الحب. لان لهذه الحالة تشخيصا نفسيا يتعلق فيما يتعلق بحالات قد تكون لها علاقة بـ "الخسارة" - أي خسارة علاقات حب او "الحرمان"  من الحب او عدم خوض التجربة خوفاً من الفشل (او العواقب التي  يريد ان يدخل فيها شخص معين حفاظا على "استقراره' ولكي لا يتعرض جهازه العصبي لارتباكات اضافية...) او نتيجة حالة من الصدمة النفسية جراء نتيجة سلبية تركت اثرها وتلت علاقة حب (او صدمة اجتماعية لها علاقة بالعائلة او صداقة تركت اثرا) لحقتها عملية اسدال لستار بهدف الدفاع عن النفس ادى الى ان 'ينأي" الانسان عن الولوج في تلك الحالة مرة اخرى. فتعتبر خسارة "علاقة الحب" في علم النفس  (وهذا يتعلق بكيفية انتهائها) بحالة من الحداد تستغرق وقتاً حتى التماثل الى الشفاء من تلك الحالة. كما ان مدة الحداد تتعلق بقوة الصدمة وبطرق العلاج النفسي-الاجتماعي والدعم الاجتماعي الذي يتلقاه الشخص بما في ذلك اساليب توعية التي تزيد من معرفة الانسان عن تلك الحالات وتعمق مفهوم عملية الصراع الداخلي والتغلب على الخوف وطرح سبل الحلول وايجاد فرص جديدة قد تعوضه عن الماضي.و 

  الكثير منا يفرق ما بين الحب والمحبة والغرام. وصحيح ان الحالات تختلف لاختلاف نوعية العلاقات الاجتماعية وكون بعضها اجتماعا عاما واخرى علاقات خاصة (اسرية كانت ام زوجية). الا ان مصدر هذا الشعور واحد رغم ان نسبته ونوعيته وممارسته تتفاوت. هي تلك القيم الاخلاقية التي تسعى الي نيل السعادة نتيجة حب الخير للغير وممارسته وتطبيق العطاء ومد يد الرحمة والحنان التضامني للغير والرغبة في المشاركة بالافراح والاتراح ليس لنيل هدف مادي بل من منطلق التعاضد، وبنسبة الشعور بالثقة بالنفس التي تستند على امكانية العيش بحالة من المتعة والتمتع باستمرار من علاقات حب (افلاطوني او غير اافلاطوني) تولد حالة من الاستقرار الننفسي والاجتماعي.و

يتزايد عدد الاقوال والآراء والمواقف من وعن الحب باشكاله والمحبة (للفرد او الجماعات) مع نمو ونضوج عقل كل فرد في المجتمع الانساني وتراكم تجاربه.و
فنحن نولد مع مخزون من الجينات ذات الصفات الوراثية. وتلك المولودة ترطتم بالواقع الذي يتفاعل فيه 'الأنا' مع  كل شخص منا على حدى او كجماعة. كما ان هذه الصفات الوراثية تتضمن تركيبة كيماوية معينة إما ان تبقى مستقرة او ان تتأثر بعوامل اجتماعية يكون لها وقع نفسي ينعكس من خلال تصرفات اجتماعية جديدة بما في ذلك تبني مواقف تجاه الحب تكون مصحوبة بسلوكيات عدائية كلامية - خطابية او حتى تصرفات (نتيجة حالة اجتماعية او اقتصادية تقترب من كوننا في ازمة) تقترب من الانفعال والاضطراب او العنف الجسدي. فالغضب زوبعة تهب نتيجة لتغيرات في المركبات الكيماوية في الجسد والتي يطلقها المخ لكي يدافع عن نفسه... ولذلك فهي تطفئ سراج العقل للحظات او ايام او اسابيع او سنين او تتحول الى عادة\سلوك لا يتغير الا بتغيير الحالة الاجتماعية (مثلا من حالة عيش فراغ عاطفي الى حالة حب). فيأتينا الطب لكي يقترح سبل علاج عبر جلسات علاجية كلامية تنفيسية-نقدية بينما تأتينا فلسفات الشرق الاقصى لتسعفنا بتوصيات (اليوغا والتأمل) حول ترويض نفوسنا ابتداءً من الجلوس بلا ازعاج، فنيل الهدؤ والتأمل ومحاورة الذات المتصارعة حول قيّم معينة والقدوم بامكانيات لايجاد طريقة افضل لتفادي الصراع والامتثال لحلول جديدة خلاقة فيها الهدؤ الدي يبعث الخير والطمأنينة.و 

الحب قيمة تتواجد في عقولنا وخلجات نفوسنا عن قناعة سبقتها تربية وترويض ادت الى تركيبة ذهنية-نفسية تتجلى بتصرفات يومية. وهذه القيمة يمكن ان تزداد او تتراجع وفقاَ للظروف والتجارب. فالقدرة على المحبة هي "معتقد" ان وجد فهو مبدأ من مجموعة نظم قيمية يكون قد تبلور وتمركز في النخاع الشوكي. احيانا يتركز البعض بتحولات نفسية تصف تحول حالة من الحب الى حالة من الكراهية تجاه شخص معين . لا يتزايد منسوب الكراهية على حساب منسوب الحب. ما يحصل هو ان منسوب الحب لشخص معين يتراجع او يتلاشي ويرتفع بالمقابل منسوب الكراهية نتيجة للشعور بالاحباط وخيبة الامل او الخسارة والحرمان. قد تتراجع قدره الانسان على الحب بعد تجربة قاسية الا ان هذا التراجع لا يعني بالضرورة فقدان قيمة الحب في ذهنيته بشكل قيمي. الحب يتعلق بالاستقرار الاجتماعي والمالي والعاطفي. والنزاعات غالبا ما تتماهى مع مسبباتها والصراع على هدف (تحقيق فكرة او شيئ  او نيل شخص او كسب حبه او انتباهه). فاذا كان الهدف ماديا وراءه الجشع والطمع وليس التشاركية والطمأنينة فعندها لا فارق بين النزاع بين شخصين او خلاف عائلي او مع الجيران او الاصدقاء او بين الطوائف واتباع المذاهب او الشعوب والدول. فالجشع هو عدو الحب والمحبة وهو المؤدي الى الانحراف الفكري والسلوك الاجتماعي العدائي والعنيف احياناً والطمع واستغلال الاخرين هو ما يشعل النزاعات داخل المجتمعات والدول، تلك النزاعات التي اصبحت الاكثر شراسة والاعلى عددا الى ان ضاهت النزاعات بين الدول والتي هبطت مؤخراً. اذن مسألة الحب تتمركز في ما اذا كنا نؤمن اجتماعيا بالخير والمساواة للجميع... وبالتفاهم والاحترام للحبيب او الزوج ومنحه نفسنا في السراء والضراء فنفعل لغيرنا ما نريد لذاتنا في بقة تتسع للجميع لان الحب كرم اخلاقي يتجلى في المشاركة في الموارد. د

Friday, 8 November 2013

- الدكتور مكرم خوري - مخول: "المعرتزقة" في سورية تنفذ محرقة القرن الـ 21 بدعم سعودي وتغطية غربية

 - الدكتور مكرم خوري - مخول: "المعرتزقة" في سورية تنفذ محرقة القرن الـ 21 بدعم سعودي وتغطية غربية



http://yomnet.net/Show.php?page=News&id=24737


                                   الدكتور مكرم خوري - مخول: "المعرتزقة" في سورية تنفذ محرقة القرن الـ 21 بدعم سعودي وتغطية غربية
PM 19:13 08/11/2013

 
 
اتهم الاكاديمي الفلسطيني-البريطاني  البارز ابن يافا الدكتور مكرم خوري - مخول يوم امس في كلمة تاريخية جريئة  له في مجلس اللوردات البريطاني حكومات كل من الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا بالمشاركة في محرقة القرن الـ 21 الذي يتم تنفيذها ضد الشعب السوري وسيادة الدولة السورية والحضارة السورية  العريقة وذلك بتمويل سعودي-قطري مدعوم من قبل الناتو وحليفتيه الرئيسييتين تركيا واسرائيل وبتغطية سياسية كاملة من اجهزة مخابرات حكومات غربية وبالايادي الآثمة لما اطلق علية 'المعرتزقة" (دمج معارضة ومرتزقة).و
وفي جلسة خاصة اقامها وزير التطوير الدولي البريطاني السابق البارون - اللورد فرانك جودد الذي يرأس لجنة حقوق الانسان في مجلس اللوردات وبرئاسة مؤسسة 'يونايتينغ فور بييس' - (المتحدون من اجل السلام) فيجاي ميهتا قال الدكتور مكرم خوري-مخول في سياق كلمته ان ما يجري في الجمهورية العربية السورية ما هو الا محاولة من قبل الشريحة المالية العالمية (الغربية والعربية) لضمان سيطرتها على الموارد الطبيعية في مستطيل الشرق الاوسط وشمال افريقيا بالحدود المحصورة ما بين موريتانيا في غرب افريقيا الى الصومال في شرق افريقيا والسودان من الجنوب الى سوريا في الشمال لكي تحكم هذه الشريحة المؤلفة من الطبقة الحاكمة في السعودية وقطر واخرين والطبقة المالية في الغرب المكونة من الرساميل التي تتركز نشاطاتها في الموارد الطبيعية وصناعة الاسلحة على هذه الرقع الجغرافية. وعلل الدكتور خوري - مخول ان هذه هي الطبقة التي تمول وتستغل المعرتزقة التكفيرية - الارهابية لحرق سوريا منفذة بذلك برامج الجشع والطمع اللا اخلاقي.
كما اضاف الدكتور مكرم الى ان هذا الغرب الذي يدعي انه 'مسيحي' هو ذاته الذي يساهم في قتل مسيحيي المشرق والعالم العربي (بمرتزقة تكفيرية فاشية) لكي يتم تهجير المسيحيين من وطنهم العربي ولكي تخلو الساحة لاسرائيل لكي تستفرد بـ'المجتعات المسلمة' وتحول الموضوع الى صراع ومقارنة ما بين المسلمين واليهود وليتم تصوير المسلمين بـ"المتخلفين الارهابيين" ليحلو لاسرائيل وحلفائها الغربيين نعت المسلمين باسواء الاوصاف مبررين شن الحروب على الدول العربية والاسلامية وكل ذلك لنب ثرواتها الطبيعية. 
هذا وناشد الدكتور خوري - مخول محبي السلام في العالم اجمع الوقوف الى جانب الدولة السورية والشعب السوري مشددا ان الخلاف السوري-السوري الداخلي هو امر مشروع الا ان اية 'معارضة تعمل على هدم سوريا لا تعد معارضة وطنية بل ادوات بايدي اباطرة البترول وشركائهم.
 
 

Saturday, 26 October 2013

الاكاديمي الدكتور مكرم خوري - مخول يطلق مصطلح\عبارة 'المعرتزقة'

المعرتزقة


الاكاديمي الدكتور مكرم خوري - مخول يطلق مصطلح\عبارة 'المعرتزقة' عبر قناة 'روسيا اليوم'...في برنامج حصاد الاسبوع عن سوريا:

والقصد في عبارة المعرتزقة هو تلك المجموعات التي تسمي نفسها بالمعارضة الا انها (ليست معارضة سلمية ولا سياسية ولا ديمقراطية)...بل تتبنى الارهاب الممول من جهات اقليمية ودولية لهدم الجمهورية العربية السورية...

للمشاهدة:

برنامج 'حصاد الاسبوع' على قناة روسيا اليوم...واستضافة د. مكرم خوري-مخول حول سوريا...وطرحه لظاهرة ما اطلق عليه ... 'المعرتزقة'..

http://arabic.rt.com/prg/telecast/658818-%D8%AD%D8%B5%D8%A7%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%A8%D9%88%D8%B9_%2819_-_25_%D8%A3%D9%83%D8%AA%D9%88%D8%A8%D8%B1_%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D9%8A%D9%86_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%84%29/

 http://lnkd.in/b68a6AE

Saturday, 19 January 2013

مالي ومال الشام وسلاح الجو - د. مكرم خوري – مخول

http://alkompis.se/interesting/did-you-know/4674/


مالي ومال الشام وسلاح الجو

مالي ومال الشام وسلاح الجو
19 January 2013
الكومبس - د. مكرم خوري – مخول: كانوا من شبه الجزيرة العربية ام من خارجها، كانوا من العالم العربي ام الاسلامي غير العربي، ام من الاوروبي المسيحي ام العلماني، ليس لاحد الحق ان يفرض على الوهابيين (السلفيين) كيفية التفكير او التصرف في اي حالة يختارونها (او يزج بهم اخرون؟) بها. كان ذلك في افغانستان، او السودان او مصر او سوريا. وبالتالي، فلا يحق للجهاديين السلفيين الذين يرفعون السلاح في اي مكان ان يضعوا شروطهم على من يحاربون او ان يشتكوا على من يقومون بغية تصفيته وكيف يتصرف وآية ادوات يستعمل. في حالة استهداف دولة او جيشها لكلا الطرفين 'حرية' التصرف كما يفهم ويشاء ويعرف ويخطط ويمول ويرهب ويحارب.اما كيف ولماذا تسمى وتوصف وترسم ويروج في الاعلام المختلف لكل عملية من هذه العمليات من الناحية الاخلاقية فهذه قضية اخرى ممكن البت بها في مقال آخر.
***
الا انه وطالما ابتعدت مجريات العلاقات عن مسار الحوار وعن 'جادلهم بالتي هي احسن' وبطرق الاقناع السلمي، واخذت منحىً عنيفاَ فتكون قد دخلت في معادلة صراع قوة العنف الجسدي المدجج بالسلاح والتي ترافقه قوة اعلامية واخرى اقتصادية لتحقيق مكاسب على الحلبة السياسية. فمنذ بداية الازمة في سوريا في آذار ٢٠١١ اخذت الحكومة السورية تصرح ان هناك مقاتلين من خارج سوريا وانهم "ارهابيين وهابيين وجهاديين بعضهم ينتمون الى القاعدة" وان هؤلاء يخططون لجلب الويلات لسوريا الدولة والحكم والمجتمع لكي تقع في ايادي الوهابيين حتى استرق ما يسمى بـ "جبهة النصرة" البعض من ظلال اضواء الدم في سوريا.
***
فقط بعد مرور ١٨ شهرا خرجت اعمال هذه المجموعات الى العلن وسبقها تصريح وزير الخارجية السعودي (المعلن على الاقل) في شباط ٢٠١٢ عن طلبه تسليح هذه الجهات او اخرى العاملة ضد الدولة السورية. ولكن لا تبدو مخططات الحركات الوهابية - السلفية تجاه الهلال الخصيب وسوريا بالتحديد جديدة العهد على الاطلاق. فمصادر الحياة كالمياه وخصوبة الارض وتضاريسها وما تحتويه من احتياطي نفط وغاز غير موجودة في كل الاقطار العربية (فالموارد الطبيعية اكتشفت في السعودية على سبيل المثال في عام ١٩٣٨ فقط اشهر قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية). ولذلك فقبل انهيارها التام في ١٩٢٤ تم تقسيم الامبراطورية العثمانية (بشكل وهمي) الى شطرين غير متساويين: احدهما مكتظ بالسكان 'ولكن مساحته تقل عن الشطر الآخر، على ما فيه من صحاري واسعة، لا تضم الا القليل من السكان...'. (دو گورانسي، ص.١٩٤). فقد كانت الولايات الجنوبية من السلطنة العثمانية هي مركز الحكم (فقد سميت فلسطين على سبيل المثال من قبل البعض بـ 'سورية الجنوبية'). فمصر بلد خصب يسير مع نهر النيل كما يحيط ويروي دجلة والفرات بالعراق وسوريا، ولبنان وفلسطين ارض خصبة لتدفق المياه من جبالها لسهولها. ولذلك 'فاذا تم احتلال هذه الولايات من قبل الوهابيين، ادى انتشار الوهابية الى كل مكان'. ( (دو گورانسي، ص. ١٩٤).
***
ففي هذا الصراع تتشابك العقيدة الدينية والتفسير الخاص لبلورة هوية العالم العربي في رقعة جغرافية يلعب فيها المناخ والاقتصاد ادوارا مكملة. على ان هذا الصراع هو صراع تتقاطع فيه مصالح عربية-عربية وعربية غربية تنعكس متغيراته بحيث يصبح عدو الامس صديق اليوم وفقا للمصالح المشتركة. ففي مطلع القرن التاسع عشر، وبعد ان لاحظت ان بعض التحركات الوهابية على الارض قد تهدد حكمها، ارسلت الامبراطورية العثمانية (الاسلامية وبرأسها الخليفة - السلطان) حاكم مصر وحليفها آنذاك المسلم الالباني محمد على باشا لتصفية الرؤوس الوهابية التي كانت قد اينعت وذلك عام ١٨١٩ والتي كانت قد اقتربت من سوريا والعراق. كانت تلك احداث 'الخرمة' و 'تربة' في عام 1924 التي اخذت آنذاك تبلور صيت الوهابيين عالميا وذلك بعد قرن تقريباً من دحرهم على يد محمد علي.
***
فوفقاً لابحاث اكاديمية تمحورت في تاريخ الوهابيين (والجهادية السلفية) ، لم يلفت هؤلاء حتى ما بعد الحرب العالمية الاولى انظار العامة سوى عيون وآذان الامبراطورية البريطانية أو شقيقتها الفرنسية من مستعربين وباحثين وجواسيس ودبلوماسيين ورحالة - واحيانا جزء او كل هذه التقاطعات مع بعضها البعض. وكانت مذبحة الطائف في أيلول 1924 وما واكبها من تصفيات المليشيات الوهابية للشيوخ والنساء والاطفال فضيحة وعار حتى بالمعايير السعودية وقتها. الا ان انشغال الوهابيين في معارك مستمرة في الجزيرة العربية لم يمنعهم من التخطيط لتوسيع نفوذهم شمالا نحو منطقة 'الهلال الخصيب' او 'سوريا الكبرى'، وفقاً لانطون سعادة. فبعد ان اجتازت مليشيات الوهابيون شمال الجزيرة العربية، ووضعوا 'وادي سرحان' في الجزيرة العربية، الدرب المؤدي الى شرق الاردن في فك الكماشة التي في قبضتهم، اخذوا يعدون شباكهم للتقدم نحو البحر المقدس: سوريا وفلسطين. وبما انهم اخذوا 'يعاينون سوريا وفلسطين عن مسافة جغرافية لا نفسية، كان يتربص لهم في فلسطين هيربيرت صاميوئيل (١٨٧٠-١٩٦٣)، المندوب السام الاول (اليهودي المتصهيين) للامبراطورية البريطانية، واعوانه الذين راقبوا حتى ولو من بعيد تحركات الوهابيين حيث كتب محذراً في برقية الى الحكومة البريطانية عام ١٩٢٠ من اتساع نطاق النشاط الوهابي الذي اخذ بالتغلغل (حسب معلوماته) في 'شرق الاردن' والذي حسب رأىه قد يشكل مأزقاً كبيراً ويهدد فلسطين
.ومن جهة أخرى كان الكاتب والشخصية البريطانية المخابراتيه المقربة من آل سعود وغيرهم من الاسر الحاكمة في العالم العربي آنذاك جون فيلبي (١٨٨٥-١٩٦٠) قد بعث ببرقية للحكومة البريطانية عام ١٩٢٢ محذراً من احتلال مليشيات ابن سعود السلفية لمنطقة الجوف (حاليا عاصمة ) شمال نجد وجنوب الاردن. وبالفعل فقد قام عندها الوهابيون بالتقدم نحو شرق الاردن. فبعد انقطاع حكم آل رشيد وغزو حائل ( شمال وسط الجزيرة العربية) عام ١٩٢١ على يد عبد العزيز آل سعود قامت مليشيات وهابية مقاتله وصل تعدادها الى ١٥٠٠ نفر منطلقة من وسط نجد الى قلب شرق الاردن (انظر ارمسترونغ وحبيب) حيث 'انزلوا الدمار بالمدن القريبة من عمان وقتلوا بلا هوادة الاطفال والذكور والكبار'من قبيلة بني صخر والتي يحفل أدبها الشعبي وذاكرتها الجماعية الى اليوم بجروح وندوبات مذابح السلفيين. كان ذلك قبل حوالي تسعة عقود من الزمان. وبما ان التطورات في العالم العربي حية تتفاعل وتفتقر الى الاستقرار منذ الاستيطان الصههيوني لفلسطين في نهاية القرن التاسع عشر وبالتحديد منذ نكبة فلسطين عام ١٩٤٨، يعيش العالم العربي في حاضر مستمر مستنفر تتدخل فيه عمليات خارجية مستترة. وهذا ما يجعل عدة عقود تنحصر في حياة كهل عربي واحد شاهد عيان لكل التطورات منذ الحرب العالمية الاولى الى يومنا هذا. وعلى الرغم من استعمال الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا (او الناتو بشكل عام) قواتها المسلحة وبشكل خاص سلاحها الجوي باستمرار منذ الحرب العالمية الثانية وبالتحديد في العالم العربي منذ ما بعد نكبة فلسطين في ١٩٤٨ ابتداء من العدوان الثلاثي على مصر عام ١٩٥٦ مرورا بالحرب على ليبيا وقصفها عام ٢٠١١، وانتهاءاً (فقط للتو) بقصف سلاح الجو الفرنسي لمعسكرات تدريب 'جهادية' في شمال مالي في ١٣ يناير ٢٠١٣؛ فبودي التركيز هنا على مثال واحد يتمحور بكيفية تعامل القوات المسلحة البريطانية الحاكمة - المحتلة، وبالتحديد سلاح الطيران - في حالة واحدة ضد الوهابيين الجهاديين - دون اطلاق الاحكام - وانما من زاوية المقارنة التاريخية والتصرف العسكري لتوفر اوجه الشبه ولكي يفكر كل غربي وعربي من معسكر الحكومات الغربية قبل الرد على عمليات الحكومة السورية ضد الارهابية المرتزقة كانت وهابية او جهادية ... والخ .
***
اعود هنا مرة أخرى الى مليشيا المقاتلين الوهابيين الذين وصلوا الى مدارات عمان - الاردن عام ١٩٢٢. اما وقد كان البريطانيون آنذاك (بعد الحرب العالمية الاولى) في موقع عسكري متين وكانت غنيمة بريطانيا من الحرب العالمية الاولى وبما في ذلك اتفاقية سايكس-بيكو (١٩١٦) بين الامبراطوريتين الفرنسية والبريطانية السيطرة على العراق والاردن وفلسطين، فلكي تحمي بريطانيا الاردن من الهجوم الوهابي، اخذ البريطانيون بالتصدي للمقاتلين الوهابيين بجنودهم وبالتحديد بسلاح جوهم حيث قتلوا جميع الوهابيين الـ١٥٠٠ (الف وخمسمائة) ما عدا ثمانية افراد 'فقط هم الذين عادوا وعاقبهم ابن سعود فور عودتهم على القيام بغزو لم يرخص لهم به'. (حبيب، ص. ١٨٦). ورغم سحق هذه القوة من المقاتلين الوهابيين، فقد وصلت تقارير ديبلوماسية-مخابراتية بريطانية وسط عام ١٩٢٣ عن محاولات الوهابيين التبشير بأفكارهم واستمالة الناس في دمشق. فهناك برقيات على مستوى بريطاني عالي بما في ذلك من وزير المستعمرات آنذاك، وينستون تشرتشيل (١٨٧٤-١٩٦٥) يطالب فيها (من اصبح بعد ذلك رئيساً للحكومة) وزارة خارجيته الاستفسار من محافظ سيناء عن نشاط الوهابيين .إما دوليا، فان الصفقات ما بين بريطانيا وفرنسا لم تتوقف ابداً (فبعد بداية العمليات الفرنسية في مالي اعلن ديفيد كاميرون دعمه لها يوم ١٣ يناير ٢٠١٣) لانهم على الرغم من التنافس الكبير على مر العصور، فكلما تقدمت العلاقات على الميزان الزمني كلما اصبحت علاقتهما تتبلور عبر الحوار والتفاهم والمصالح المشتركة لا التناقضات. ففرنسا التي رسمت سوريا ولبنان من 'نصيبها' في اتفاقية سايكس-بيكو لم تقبل ان يستمر الملك فيصل (١٨٨٣-١٩٣٣) ابن امير مكة الشريف حسين وشقيق عبدالله ملك الاردن بحكم سوريا فباشرت بحملة تشبه ما يسمى في 'عبارات واعراف' العلاقات الدولية بـ'تغيير الحكم' - 'Regime Change' واعلنت الحرب على سوريا والملك فيصل بما اصبح يعرف بـمعركة 'ميسلون' عام ١٩٢٠ واقتلعت الملك فيصل (بعد اربعة شهور من تنصيبه) من سوريا ونصبته ملكاً على العراق. بالمقابل، اذا ما تابعنا التاريخ السياسي لمصر والجزائر وسوريا على سبيل المثال فسيبدو جليا ان هذا الصراع (قبل الاحداث التي انطلقت في يناير ٢٠١١) ما بين الحكم الغير وهابي-سلفي والمجموعات التي تعمل في فلكها وتدخل القوى الاجنبية ما زال مستمرا منذ اكثر من قرن. فاقليمياً (عربياً) ومحلياً، فعلى سبيل المثال في عهد عبد الناصر (وحكم القوميين) تم اعدام زعيم الاخوان المسلمين السيد قطب وفي سوريا رآت الدولة ان وجود الاخوان في الدولة يناقض ايديولوجية الدولة والمجتمع ومستقبل سوريا ولذلك جاءت احداث حماة عام ١٩٨٢. فكلمات الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد ما زالت تجلجل الى هذه الساعة وكأنه تلاها يوم امس حيث قال معبرا عن ايديوليجية الدولة ما يلي: 'لا اخطر على الاسلام من ان تشوه معانيه ومضامينه وانت تلبس رداء الاسلام وهذا ما يفعله الاخوان المجرمون'. هذه الكلمات توضح بشكل كبير الشرخ ما بين ايديولوجيتين بشكل خاص في العالم العربي (هناك طبعا عدة ايديولوجيات في المجتمعات العربية) : القومية-العلمانية والدينية-الاصولية.
***
هذه المليشيات الارهابية او المجموعات الوهابية - السلفية التى تؤمن بتوظيف الاسلام لتبرير استعمال العنف لتحقيق أهدافها السياسية كانت موجودة دائماً في العالم العربي (والقاعدة احد امتداداتها) وان ظهورها الفاعل على السطح وعملها الارهابي كان نتيجة اما لتلقيها الدعم الكافي او السماح لها بالعمل والنمو داخل الدولة الداعمة او كأداة تستعملها دولة معينة ضد النظام في دولة اخرى لتقويضه غالبا مع دعم مالي وعسكري اقليمي وغطاء دولي مقابل صفقات اقتصادية لا يتم التصريح بها الى الجمهور. وبالمقابل لم تختلف ردود فعل العاملين ضدهم من حكام ولذلك فلا يحق لا لفرنسا ولا لبريطانيا انتقاد الدولة السورية على الاطلاق لما تقوم به تجاه هذه المجموعات فلتنظر في جعبتها اولا فكما يبدو ان الجمل 'الغربي' لا يرى سنامته المتضخمة المجترة للصواريخ.